لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
أسماء الله وصفاته
23759 مشاهدة
إثبات صفة الكلام لله تعالى

ننتقل إلى صفة الكلام وهي أيضا صفة كمال، وهذه الصفات الثلاث، ذكرنا: أن الأشاعرة أثبتوها، وقالوا : إن الحي إذا أثبتت له الحياة فلا بد أن يكون سميعا أو ضده بصيرا أو ضده متكلما أو ضده .
فالأشاعرة أثبتوا صفة الكلام، وأثبتوا أن القرآن كلام الله؛ ولكن لم يثبتوه حقيقة -لم يثبتوا الكلام حقيقة كما أثبته أهل السنة- المعتزلة يصرحون بأن الله لا يتكلم، ويصرحون بأن الكلام كلام الله الذي هو القرآن هو مخلوق، الأشاعرة يقولون: إن الله يتكلم؛ ولكن ينفون الكلام الحقيقي، وكذلك أيضا يثبتون أو يقولون: إن كلام الله هو المعنى ليس اللفظ، وينكرون أن الله يتكلم بكلام مسموع.
أهل السنة يثبتون أن الله تعالى متكلم، ويتكلم إذا شاء، ولهم أدلة على ذلك، أدلة جلية ظاهرة، فمن الأدلة ما ذكر الله تعالى: أنه كلم موسى وهذا نص في قول الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا أكده بقوله: تكليما يدل على أنه سمع كلام الله، ثقلت هذه الآية على المعتزلة، ذكر أن أحدهم جاء إلى أبي عمرو القاري أحد القراء السبعة من أهل العراق فقال: أريدك أن تقرأها بلفظ وكلم الله َ موسى تكليما، يريد بذلك أن موسى هو المكلِّم ليس الله أي أن موسى كلم الله .
ولكن أبا عمرو رحمه الله خصمه فقال: هب أني قرأتها كذلك، أو أنك قرأتها أنت كذلك، فكيف تصنع في قول الله تعالى في سورة الأعراف: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ فبهت ذلك المعتزلي، حيث إن هذه الآية لا يمكن تصحيفها، لا يمكن أن يحرفها تحريفا لفظيا، وهي صريحة بأن ربه هو المكلِّم وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ كذلك خصه الله تعالى بلفظ الكلام، في قوله تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي وإنه صريح في أنه خصه بكلامه الذي سمعه منه إليه.
وقد ذكر شيخ الإسلام أن المعتزلة حرفوا قوله وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى فقالوا: إن التكليم هنا هو التجريح أي: جرحه بأظافير الحكمة ؛ لأن الكلم هو: الجرح، في الحديث ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي فهذا حملهم عليه إنكار هذه الصفة، جرحه لا شك أن التجريح يعتبر عذابا، والله تعالى أكرم من أن يعذب نبيه وكليمه موسى ثم يرد عليه بالآية التي ذكرنا إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فإنه صريح، ولم يقل: بتكليمي أو بتجريحي، وبكلامي، ثم يرد عليهم بآيات النداء، وبآيات المناجاة في حق موسى في عدة مواضع مثل قوله تعالى: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا النداء لا يكون إلا بكلام مسموع، أنت إذا قلت: ناديت فلانا، معناه صوتت له حتى سمع نداءك، فالله تعالى نادى موسى في المنظومة الشيبانية يقول:
على الطـور نـاداه وأسمعـه الندا
....................................

ناداه وأسمعه النداء، والنداء لا يكون إلا بكلام ومثله قوله تعالى: وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ناداه، ومثله قوله تعالى: هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى النداء: لا يكون إلا بالكلام، وكذلك أيضا أثبت الله أنه ينادي في قصة الأبوين وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ النداء: لا يكون إلا بكلام مسموع، وفي الآخرة يقول الله تعالى: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ في سورة القصص في ثلاثة مواضع وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ الندا لا يكون إلا بكلام تعرفه العرب يقول شاعرهم:
فقلـت ادعـي وأدعـو إن أنــدى
لصــوت أن ينــادي داعيــان

ينادي داعيان، أثبت أنه صوت، وكذلك ورد في الحديث أن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا آدم فيقول: لبيك ربنا وسعديك؛ فينادي بصوت، إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار فأثبت أنه ينادي وأنه بصوت، وكذلك قوله في آية مريم وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا والنجي: هو الذي يكلم كلاما خفيا، فدل على أنه ناداه، وأنه ناجاه بكلام سمعه موسى لا شك أن هذا دليل واضح على إثبات صفة الكلام، وقد أخبر الله تعالى بأنه متكلم، وأن كلامه لا يحيط به أحد فقول الله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ يريد : أنها كملت عن أن يلحقها نقص أو يلحقها عيب أو وصمة أو خلل؛ بل كلمات الله تعالى كلام تام يعني: أنه منزه عن الخلل وعن العيب الذي يكون في كلام الإنسان، أي: في جنس كلام الناس، كذلك قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ يعني: تكلم وأخبر بأنه يملأ جهنم من الجنة والناس، أي: أنه لا بد أن يتم ما قاله وما تكلم به، كذلك أيضا أخبر تعالى بأن كلامه لا يحيط به محيط، في قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ وكذلك قوله: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا أي: لو أن جميع أشجار الأرض من أول الدنيا إلى آخرها كانت أقلاما، وأن البحار الدنيوية ومثلها معها سبعة أبحر كانت مدادا يكتب به، فكتب بتلك الأقلام، وكتب بذلك المداد لتكسرت الأقلام ولنفد ذلك المداد قبل أن تنفد كلمات الله، وذلك لأنه ليس لها نهاية ليس لها بداية ولا نهاية والمخلوقات لها بداية ونهاية، البحر له بداية ونهاية، مع أنا لو شاهدنا بحار الدنيا، لعرفنا عمقها ولاستبعدنا أنها تنفد، ولكن أخبر الله تعالى بأن كلامه لا يحيط به محيط، وليس له نهاية، دليل على إثبات كلام الله تعالى يثبت الله تعالى لنفسه القول في القرآن. يكثر قال الله كقوله تعالى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ ثم قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ إلى قوله : قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ وجاء أيضا بلفظ المضارع كقوله وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وجاء بلفظ المصدر كقوله تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا وجاء بلفظ الحديث وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا .